فصل: الدعوى:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لباب اللباب في بيان ما تضمنته أبواب الكتاب من الأركان والشروط والموانع والأسباب



.الثاني: المقضى له:

من تجوز شهادته له وفي قضائه لأقاربه الذين لا تجوز شهادته لهم أربعة يفرق في الثالث فلا تجوز للزوجة ولا لولده الصغير ولا ليتيمه الذي يلي ماله وتجوز لغيرهم والرابع التفرقة فإن قل ثبت عندي لم يجز وإن حضر الشهود وكانت الشهادة ظاهرة جاز إلا لزوجه وولده الصغير ويتيمه ويجوز أن يحكم بين أهل الذمة إذا تظالموا وترافعوا إلينا ورضوا بحكمنا قال ابن القاسم في العتبية ولا يحكم بينهم إلا برضاء أساقفتهم وقال غيره: ذلك غير لازم لأنه عليه الصلاة والسلام رجم اليهوديين ولم يأت في الخبر أن ذلك برضاء أساقفتهم.

.الثالث: المقضى به:

وهو الكتاب والسنة وأقضية الصحابة رضي الله عنهم ثم بإجماع غيرهم ثم باجتهاده ويشاور من يثق به من أهل العلم فيمضي بما أفتوه به إذا وافق رأيه فإن أشكل الأمر وقف ولا بأس أن يأمر بالصلح ولا يأمر به إذا تبين له وجه الحكم إلا أن يرى لذلك وجهًا.

.الرابع: المقضى فيه:

وهو جميع الحقوق وغيره من الأحكام مقصور على ما قدم عليه.

.الخامس: المقضى عليه:

وهو كل من توجه عليه حق إما بإقراره إن كان ممن يلزمه إقراره وإما بالشهادة بعد الإعذار والعجز عن المدفع وبعد يمين الاستبراء إن كان الحق على ميت أو على غائب.

.الركن السادس: في كيفية القضاء:

ومعرفته بمعرفة الدعوى والجواب واليمين والنكول والبينة، وليس للقاضي أن يحكم بعلمه إلا في التعديل والتجريح، ويقبل قوله إذا قال شهد عندي شهود في وجه كذا، أو أنه أعذر إلى فلان في كذا، أو أنه أجله وانقضى الأجل ولم يأت بشيء وأنه أعجزه، وفي حكمه فيما أقر الخصمان به بين يديه خلاف فقال مالك وابن القاسم: لا يحكم بعلمه في ذلك، وقال عبد الملك: يحكم، وعليه قضاة المدينة، ولا أعلم أن مالكًا قال غيره، وبه قال مطرف وأصبغ وسحنون، والأول هو المشهور.

.الدعوى:

ويشترط أن تكون محققة فلو قال لي عليه شيء لم يقبل وكذلك لو قال أظن أن لي عليه شيئًا والمدعى من تجرد قوله عن مصدق. والمدعى عليه من اقترن قوله بمصدق أصلاً أو عرفًا فإن اقترن قول كل واحد منهما بمصدق مثل أن تدعى المرأة على زوجها الحاضر أنه لم ينفق عليها فتعارض هنا أصل وغالب فالأصل عدم النفقة والغالب النفقة فقدم الشافعي قول المرأة عملاً بالأصل، وقدم مالك قول الرجل عملاً بالغالب. ثم الدعوى إما أن تكون على حاضر أو ميت أو غائب فإن كانت على حاضر فلا يخلو إما أن يكون سفيهًا أو رشيدًا فإن كان سفيهًا بالغًا أو صبيًا وكانت الدعوى مما لو ثبتت بالبينة قضى عليهما بها في أموالهما كلف إقامة البينة بذلك وإلا أمره بالكف عنهما والذي يقضى به في أموالهما الاستهلاك والغصب والاختلاس والنهب والجراح والقتل عمدًا أو خطأ بخلاف ما كان عن طوع من القائم كالمناولة والبيع والابتياع والسلف. واختلف في الوصي يدفع مالاً للسفيه يتجر به ليجرب به رشده فيلحقه فيه دين فقيل يلزمه فيما أذن فيه خاصة، وقال ابن القاسم في المدونة: لا يلزمه شيء؛ لأنه لم يخرج بذلك عن الولاية قال: ولو دفع له ذلك أجنبي يتجر به لكان ذلك الدين فيما دفع له خاصة. وإذا فرعنا على القول باللزوم فيما بيده سمع القاضي البينة على بيعه فإن شهدت بمعاينة ذلك أنفذه وإن شهدت على إقراره لم يلزمه شيئًا إلا أن يشهدوا بأن إقراره كان في مجلس التبائع فيجوز ويعذر في ذلك إلى الوصي ثم يعدي رب الدين على ما في يد السفيه. وإذا ادعى على عبد ما يوجب قصاصًا طلب الجواب من العبد فإن أقر وكان مأذونًا فكالحر وإلا وقف إقراره على سيده فيجيزه أو يرده فإن عتق قبل أن يعلم ما عند سيده لزمه وإن كان رشيدًا ألزمه القاضي الجواب إلا أن يشهد العرف ببطلان دعواه مثل أن يدعى دارًا بيد حائز لها يتصرف فيها بمحضر المدعى مدة طويلة ولا مانع يمنعه من القيام ولا قرابة بينه وبينه ولا شركة ففي مثل هذا لا تسمع الدعوى ولا يمكن من إقامة البينة وما عدا ذلك فيسمع القاضي الدعوى ويأمر المدعى عليه بالجواب.

.الجواب:

إما إقرار أو إنكار أو امتناع فإذا أقر وشهد عند القاضي بإقراره في المجلس فقال ابن العطار يقضي عليه بغير إعذار وبه العمل، وقال غيره: لا يقضي عليه إلا بعد الإعذار ثم يأمره بإنصاف غريمه فإن ادعى القضاء وقد تقدم منه إنكار لم تسمع دعواه ولو أتى بالبينة لأنه أكذبها قاله ابن القاسم وبه العمل وإن لم يتقدم منه إنكار حلف له وإن ادعى أن له بينة حاضرة أجل في إحضارها بقية يومه ويؤجله في الغائبة بقدر ما يراه بعد رهن أو حميل فإن لم يأت بذلك وطلب الغريم سجنه سجنه ولو أتى بالبينة بعد قوله لا بينة لي وقد كان استحلفه لم تسمع بينته على الرواية المشهورة ولو كان خصامه مع الوكيل فقال موكلك أبرأني فقال ابن كنانة يحلف الوكيل ما علم ببراءته ويأخذ إلا أن يكون موكله قريبًا فيكتب إليه فيحلف، وقال ابن القاسم: لا يحلف الوكيل وينتظر صاحب الحق ولو أجاب إلى أداء الحق، لكنه إن سأل النظرة أنظره القاضي بقدر ما يراه وقيل ذلك إلى صاحب الحق وإن ادعى العدم وليس عنده غير الأصول أجله في إثبات ذلك بقدر ما يراه فإذا أثبت ذلك أعذر فيه إلى الطالب فإن سلمه أو عجز عن الدفع حلفه وسرحه وأجله في بيع الأصول نحوًا من شهرين وأخذ منه حميلاً بالمال ثم يأمره بعد الأجل بالبيع فإن أبى ضيق عليه بالسجن والضرب وأما الإنكار فيشترط أن يكون صريحًا فلا يقبل منه أن يقول ما أظن أن له عندي شيئًا ولو قال: لا حق له عندي، فقال ابن القاسم: لا يسمع منه ذلك، وقال مطرف وابن الماجشون: يسمع ثم إذا أنكر فإن أتى الطالب بالبينة أعذر فيها للمطلوب فإن سلمها أو ادعى مدفعًا وعجز عن إثباته أمره بالإنصاف وإن لم تكن بينة أحلفه بعد ثبوت الخلطة. وأما إن امتنع من الجواب أو قال للقاضي: لا أحاكمه عندك فيجبر على الجواب بالسجن والضرب فإن كانت الدعوى على ميت فلا يسمعها القاضي إلا بعد ثبوت الموت والوراثة وإن أقر الوارث الرشيد بثبوتها لم يفتقر إلى ثبوتها فإذا ثبت وأثبت الدين بالشهادة عنده أعذر فيه إلى الوارث ثم حلف يمين القضاء ولو كان الورثة كلهم كبارًا رشداء ولم يدعوا الدفع لا من الميت ولا منهم ففي كتاب ابن شعبان لا تلزمه يمين وظاهر ما في النوادر خلافه، وقال بعض الشيوخ: لابد من اليمين لاحتمال طروء وارث أو دين وإن كانت على غائب وكانت غيبته بالبلد فقال سحنون: لا تسمع البينة إلا بحضوره إلا أن يتوارى أو يتعذر فيقضى عليه كالغائب وإن كان بغير البلد وكان قريبًا كاليومين والثلاثة والطريق مأمونة أعذر إليه في الدين بعد ثبوته فإما قدم أو وكل فإن لم يصل بيعت عليه أصوله ويحكم عليه أيضًا في استحقاق الأصول والحيوان والعروض وجميع الأشياء من طلاق وغيره ولا ترجى له حجة وإن كانت غيبته متوسطة كالعشرة أيام حكم عليه فيما عدا الأصول من غير إعذار وترجى له الحجة وإن كانت غيبته بعيدة جدًا كالأندلس وطنجة أو كان مفقودًا حكم عليه في الأصول وغيرها وترجى له الحجة.

.اليمين:

تكون تارة لرفع الدعوى كالمدعى عليه بمال فينكره وتارة لتصحيحها كاليمين مع الشاهد، وتارة لانتفائها كالحالف على نفي حق ثبت لصغير بشاهد وتارة ليتم الحكم كيمين الاستبراء. صفتها معلومة ويحلف في ربع دينار فأكثر في المسجد حيث يعظم وتخرج المخدرة حرة أو أمة إلى المسجد ليلاً إن كانت لا تخرج نهارًا وتحلف في اليسير في بيتها. وفي الطرر إن كانت تخرج بالنهار إلى الحمام أو إلى غيره فإنها تحلف في النهار وإن خرجت منكرة ويحلف المريض في بيته إن كان لا يحمل الخروج ويحلف اليهودي والنصراني في الكنيسة حيث يعظم ابن القاسم وليس على الحالف أن يستقبل القبلة.
وقال مطرف وابن الماجشون يحلف قائمًا مستقبلاً إلا في أقل من ربع دينار فيحلف في مكانه جالسًا والمرأة في بيتها جالسة. ابن كنانة. ويتحرى في الدماء واللعان والمال العظيم الساعات التي يحضرها الناس في المساجد وما سوى ذلك ففي كل زمان. اللخمي. لا يحلف في الأيمان بغير موضعه إلا في القسامة، قال مالك: يحلف إلى مكة والمدينة وبيت المقدس وأما غيرها ففي موضعه إلا أن يكون قريبًا من المصر عشرة أميال أو نحوها.
وقال أبو مصعب يحلف إلى الأمصار من كان على ثلاثة أميال أو نحوها وهو أحسن وأحوط وشرط توجهها ثبوت الخلطة إن كانت الدعوى يقبل فيها الشاهد واليمين فأما ما لا يقبل فيها إلا شاهدان فلا تتوجه بوجه وذلك كدعوى قتل العمد والنكاح والطلاق والعلق والنسب والولاء والرجعة وما أشبه ذلك ثم حيث اعتبرنا الخلطة فإنما نعتبرها فيما كان من الدعاوى غير مشبهة عرفًا فأما ما يشبه مثل دعوى الودائع على أهلها ودعوى المسافر الوديعة على أحد رفقائه والدعوى في سلعة معينة والدعوى على الصانع المنتصب أنه دفع إليه ما يعمله له والدعوى على المنتصب للبيع والشراء أنه باع منه أو اشترى ودعوى الرجل في مرض موته أن له قبل فلان كذا ويوصى أن يتقاضى منه ودعوى السرقة على المتهم فلا يحتاج إلى ثبوت خلطة ويلحق ذلك ما في معناه وفي التبصرة أما في بياعات النقد والدعوى في المعينات وعلى الصانع ودعوى الودائع والغصب والتعدي والجراح فلا تراعى فيها الشبهة واختلف في الدين هل تراعى فيه الشبهة والخلطة ثم حكى أربعة أقوال، قال ابن القاسم: لا يحلف إلا أن يكون بائعه بالنقد مرارًا أو بالدين ولو مرة، وقال ابن حبيب: لا يحلف حتى تكون بينهما خلطة لا يعرف لها انقضاء فإن انقضت ثم أتى بعد يوم أو يومين يدعى عليه حقًا لم يحلف وقيل: ينظر إلى الدعوى فإن كانت مما يجوز أن يدعى مثلها على المدعى عليه أحلف وقيل: إن كان المدعى يشبه أن يعامل المدعى عليه فيما ادعى به عليه أحلف له وإلا فلا وتثبت الخلطة بالإقرار وفي ثبوتها بالشاهد الواحد دون يمين أو لابد من اليمين قولان لابن كنانة ومحمد. وشرط صحتها أن تطابق الإنكار وأن يحلف على البت إلا فيما ينسب إلى غيره من النفي.

.النكول:

ويتم بقوله لا أحلف أو أنا ناكل أو يقول للمدعى أحلف أو يتمادى على الامتناع من اليمين وليس له أن يرجع إلى اليمين وينبغي للقاضي أن يشرح له حكم النكول ويقول له: إن نكلت حلف المدعى وأخذ ما حلف عليه إن كان بالغًا، وإن كان صبيًا أخذ منه الحق دون يمين وهل هو أخذ تمليك أو إيقاف خلاف فإن كان اليمين على المدعى لنكوله قام له شاهد فنكل قيل للمدعى عليه احلف فإن نكلت غرمت وإن حلفت وكان الولد رشيدًا بطل حقه وإن كان سفيهًا فكذلك عند ابن القاسم وأصبغ وقال ابن الماجشون: لا يبطل ويؤخر إلى رشده فيحلف ويأخذ فإن نكل لم يحلف المطلوب مرة أخرى.

.البنية:

إن كانت مقبولة قضى بها بعد الإعذار. وإن كانت مرجوحة أمر القاضي بتزكيتها ويجمع في التزكية بين وصفي العدالة والرضاء وبه جرى العمل، والعمل اليوم بإفريقية على قبول التزكية القاصرة كقولهم زكيته فيما شهد به فيه وما علمت ذلك لأحد ممن تقدم ولا من أهل المشرق وطالما سألت عن ذلك حتى سألت القاضي أبا عبد الله بن يعقوب رحمه الله فقال لي: هذه التزكية أحدثها أهل مراكش، والقاضي ينبغي له أن يعول على ما يفهم من شهودها فإن فهم منهم معنى عدل رضا في كل شيء عمل بذلك وإن فهم منهم قصر تزكيته في ذلك خاصة وسكتوا عن غيره لم يقبلها وما رأيت من يعين ذلك من القضاة فإنا لله وإنا إليه راجعون، فإذا ثبتت التزكية عند القاضي أعذر فيهم وفي من زكاهم.

.اللواحق:

تنحصر في خمسة فصول:

.الأول: في العزل:

وينعزل القاضي بكل وصف يمنع من الفتيا والولاية كالكمه وفي عزله بطروء الفسق قولان المشهور العزل، وقال أصبغ: لا يعزل وإنما يجب على الإمام عزله.

.الثاني: في نقضه أحكام نفسه:

وله ذلك إذا تبين له الخطأ وإن كان قد أصاب قول قائل، وقال سحنون: إذا كان الحكم مختلفًا فيه وله هو فيه رأي وحكم بغيره سهوًا فله نقضه وليس لغيره نقضه، وإن كان رأى بعد الحكم رأيًا سواه لم ينقضه.

.الثالث: إقراره بتعمد الجور والخطأ:

قال مالك: ما تعمده من جور فإنه يقاد منه ومن المأمور إذا علم أنه حكم بجور، ثم إن أتلف مالاً غرمه وأدب وعزل ولا يولي أبدًا ولو أقر بالعمد بعد الحكم وقبل القصاص، أو قبل أخذ المال فقال ابن الماجشون: إن أقر بجور وهو حاكم فله أن يرجع ما لم يفت يريد ما لم يقتص أو يأخذ المال، وقال ابن القاسم وأشهب في البينة: ترجع بعد الحكم وقبل القصاص ترد، وقال محمد: إن كان بكرًا حد وإن كان ثيبًا لم يرجع، قال اللخمي: وعلى هذا يجري الجواب إذا رجع الحاكم ولو قال بعد القصاص أخطأت، فقال ابن القاسم وأشهب ذلك على عاقلة الإمام إن كان الثلث، وقال سحنون ذلك في ماله، وقيل لا شيء عليه.

.الرابع: نظره في أحكام غيره:

أما العدل العارف فلا يتعرض له بوجه ما لم يظهر خطأ بين لم يختلف فيه ويثبت ذلك عنده فيرده، وأما الجاهل العدل فيكشف أقضيته فما كان منها صوابًا أمضاه، وما كان خطأ لم يختلف فيه رده ورأى اللخمي أن يرد ما كان مختلفًا فيه؛ لأن ذلك كان منه حدسًا وتخمينًا والقضاء بمثل ذلك باطل ونحوه لابن محرز وأما غير العدل فظاهر المذهب فسخ أحكامه على ثلاثة الفسخ مطلقًا قاله ابن القاسم في المستخرجة وعدمه مطلقًا قاله عبد الملك والتفرقة فيمضي من أحكامه ما عدل فيه ولم يسترب ويرد ما فيه جور أو استريب ويفعل فيها من الكشف ما يفعله في أقضية الجاهل قاله أصبغ.
تنبيه:
قال ابن محرز المعروف لعبد الملك في المجموعة مثل قول أصبغ وعلى هذا فيكون المذهب على قولين.

.الخامس: في قيام المحكوم عليه بطلب الفسخ:

وإذا قام فطلب ذلك لجور القاضي أو جهله فقد تقدم حكمه وإن ذكر أن بينه وبينه عداوة أو بينه وبين ابنه أو بين الأبوين وثبت ذلك وجب الفسخ وإن قال كنت أغفلت حجة كذا لم تقبل منه وإن أتى ببينة وذكر أنه لم يعلم بها فثلاثة قال ابن القاسم: يسمع من بينته فإن شهدت بما يوجب الفسخ فسخ، وقال سحنون: لا يسمع منها، وقال ابن المواز: إن قام بها عند القاضي نفسه نقضه، وإن قام عند غيره لم ينقضه وإن أتى بما يوجب سقوط شهادة من شهد عليه فإن كان لتقدم جرحة بفسق ففي نقض الحكم روايتان، وبالنقض أخذ ابن القاسم وبعدمه قال أشهب وسحنون وإن أثبت العداوة فيجري على القولين ولو أنكر المحكوم عليه الخصام عند القاضي، وقال القاضي: كنت خاصمت عندي وأعذرت إليك فلم تأت بحجة وحكمت عليك، فقال أصبغ: القول قول القاضي وفي الجلاب لا يقبل إلا ببينة، قال اللخمي: وهو أشبه بقضاة الوقت ولو أنكرت البينة أن تكون شهدت ففي النقض قولان.

.كتاب الشهادات:

.حقيقتها:

الإخبار عن تعلق أمر بمعين يوجب عليه حكمًا وبقيد التعيين تفارق الرواية.

.حكمها:

الوجوب على الكفاية.

.حكمة مشروعيتها:

حفظ النظام ودفع الضرر العام لصيانة الحقوق.

.ركناها:

الشاهد والمشهود به.

.الأول: الشاهد:

ويتعلق النظر بالموجب لقبول شهادته وبالمانع من قبولها. أما الموجب لقبولها فهي العدالة والمروءة والحرية والبلوغ وفي الرشد خلاف والعدالة هيئة راسخة في النفس تحث على ملازمة التقوى باجتناب الكبائر وتوقي الصغائر والتحاشي عن الرذائل المباحة والمراد بالمروءة التصون والسمت الحسن وحفظ اللسان وتجنب السخف والمجون والارتفاع عن كل خلق رديء يرى أن من تخلق به لا يحافظ معه على دينه وإن لم تكن في نفسه جرحة ولا تقبل شهادة العبد ولا شهادة من لم يبلغ الحلم وإن بلغ خمسة عشر عامًا وأجاز ابن وهب شهادته إذا بلغ ذلك وفي قبول شهادة الصبيان في القتل والجراح ثلاثة يفرق في الثالث فتقبل في الجراح خاصة ولم ير مالك السفه قادحًا في العدالة فأجاز شهادته ولم يجزها أشهب.
تنبيه:
قال القاضي أبو الوليد: ويشترط فيمن اجتمع فيه هذان الوصفان يعني العدالة والمروءة أن يكون عالمًا بتحمل الشهادة متحرزًا يؤمن عليه التحيل.
وأما المانع فقسمان: قسم يمنع من القبول مطلقًا وقسم يمنع على جهة.
الأول: كل وصف مناف للعدالة أو المروءة أو لهما كالفسق وسماع القيان عند ابن القاسم وأشهب وكقطع السكة وإن كان جاهلاً وأن يترك الجمعة ثلاث مرات متواليات من غير عذر. ابن لبابة. وكذلك كل من لم يقم صلبه في ركوع أو سجود في نافلة أو فريضة والفرار من الزحف، واعتقاد البدعة والقضاء بالنجوم وشبه ذلك مما هو مناف لما ذكرناه.
الثاني: ما يمنع على جهة، ونعني بذلك أن يمنع من القبول مع بقاء العدالة وهو نوعان:
الأول: التغفل قد تقدم قول القاضي أبي الوليد أنه يشترط أن يكون متحرزًا يؤمن عليه التحيل، قال ابن عبد الحكم: قد يكون الحبر الفاضل ضعيفًا لا يؤمن عليه لغفلته فلا تقبل شهادته إلا فيما لا يكاد أن يلبس عليه فيه.
النوع الثاني: الاتهام وله ستة أسباب:
الأول: أن يجر لنفسه منفعة أو يدفع عنها مضرة.
الثاني: تأكيد الشفقة بالنسب أو السبب وشهادة الأب مع ولده جائزة على القول المعمول به.
الثالث: العداوة في أمر دنيوي من مال أو جاه أو منصب بخلاف الدينية إلا أن يؤدي إلى إفراط الأداء.
الرابع: الحرص على زاول التقييد ولذلك صورتان:
الأولى: أن ترد شهادته بفسق ثم يصير عدلاً فيشهد بها فإنها ترد لتهمته على دفع عار الكذب.
الثانية: التأسي كشهادة المقذوف في القذف.
الخامس: الحرص على الشهادة في التحمل والأداء والقبول، أما التحمل فكالمختفي في رواية والمشهور أن ذلك لا يضر وقيده محمد بما إذا كان المشهود عليه غير مخدوع ولا خائف وغير ضعيف وقيل: لا يجوز أن يختفي ليشهد مخافة أن لا يحيط بها علمًا لكن إن تحقق الإقرار كما يجب فليشهد وأما الحرص على الأداء فمثل أن يبدأ بالشهادة قبل أن يطلبها منه صاحبها وهو حاضر والحق مالي فإن أداها سقطت والذي ينبغي أن يعلم صاحبها إن علم أنه غير عالم بها ولو كان صاحبها غائبًا، ففي وجوب القيام بها قولان ولو كانت الشهادة حقًا لله تعالى ولا يستدام فيه التحريم يستحب كتمها. ابن رشد. إلا في المشتهر وإن كانت مما يستدام فيه التحريم وجب الرفع وذلك كالطلاق والعتق والعفو عن القصاص وأما الحرص على القبول فمثل أن يشهد شهادة ويحلف على صحتها.
السادس: الاستبعاد والأصل فيه قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تقبل شهادة البدوي على القروي»، وحمله مالك على الأموال والحقوق دون الدماء، وما في معناها مما تطلب فيه الخلوات فلذلك قلنا: لا تجوز شهادة البدوي على القروي أو له في الحقوق التي يمكن الإشهاد عليها في الحضر دون القتل والجراح وشبههما.

.الركن الثاني: المشهود به:

وهو ستة أنواع:

.الأول: الزنى واللواط:

ويثبت بشهادة أربعة ذكور مجتمعين غير مفترقين برؤية واحدة أنه أدخل فرجه في فرجها كالمرود في المكحلة وظاهر المذهب جواز النظر إلى الفرج لتحمل الشهادة وللحاكم أن يسألهم كما يسأل في السرقة ما هي ومن أين وكيف وإلى أين فإن شهدوا بما ذكرنا لكن أنهما مكرهان فإن قلنا أن الرجل يحد مع الإكراه فلابد من أربعة، وإن قلنا: لا حد، اكتفى باثنين وفائدة الشهادة ما تستحقه من الصداق على الرجل أو على المكره.

.الثاني: ما ليس بمال كالنكاح والطلاق:

والرجعة، والتمليك، والعتق، والإسلام، والردة، والسبب، والولاء، والكتابة، والتدبير، والعدة، والجرح والتعديل، والشرب، والحرابة، والقذف، والسرقة، والإحلال، والإحصان، وكذلك الوكالة والوصية عند أشهب فهذه كلها لا تثبت إلا بشاهدين من ذكرين.

.الثالث: ما يتعلق بالنفس:

كالقتل والجراح والعفو عن القصاص والتعريض للنبوة بالسب، فأما القتل فإن كان عمدًا فإنه يثبت باثنين ولا يستحق بشاهد وامرأتين، ويستحق بشاهد عدل مع القسامة وفي غير العدل روايتان وفي جراح العمد ثلاثة فأجاز في الأقضية قطع اليد مع الشاهد واليمين قياسًا على القتل وفي الشهادات كل جرح لا قصاص فيه فإنما هو مال فلهذا جاز فيه الشاهد واليمين، قال اللخمي: وهذا يقتضي أنه يجتزئ بالشاهد واليمين حيث يتوجه القصاص وقيل: يصح اليمين مع الشاهد فيما صغر من الجراح دون ما كبر، وأما العفو عن القصاص فلا يثبت أيضًا إلا بشاهدين عدلين وتتوجه اليمين مع الشاهد على المشهود له قياسًا على الطلاق وأما التعرض بالسب للنبوة فيثبت بشاهدين ولا يقبل بالواحد لكن يعاقب العقوبة الشديدة على ما سيأتي في محله إن شاء الله تعالى.